واجهت الكنيسة إبّان انطلاقتها في القرون الأولى تحديّات عنيفة، دمويّة وفكريّة. فبالإضافة للاضطهاد الدموي الذي كانت تمارسه سلطة الإمبراطوريّة الرومانيّة، تصدّت الجماعة المسيحيّة أيضاً، لتحديّات التيارات الفكرية والعقائدية المختلفة.
فحوض البحر الأبيض المتوسط كان، ولا يزال، تربة خصبة لتقبل التيارات الفلسفية والدينيّة، مهما كان اتجاهها.
يمكننا حصر هذه التحديّات في الأمور التاليّة:
1) الديانة اليهودية، التي رفضت بشكل عنيف نشوء الديانة المسيحية .
2) الديانات الوثنية، التي لم تستطع أن تفهم العقيدة المسيحية.
3) الفلسفة اليونانية، خصوصاً الأفلاطونيّة.
4) الهرطقات المتأثرة باليهوديّة أو الوثنيّة أو الفلسفة.
5) سلطة الإمبراطورية الرومانية.
لقد وجدت المسيحية نفسها في مأزق حرج، فالخطر كبير، والتيارات كثيرة، بيد أن القيّمين عليها لم ييأسوا، فراحوا يدافعون عن إيمانهم الجديد بشتى الطرق والوسائل (أنظر دفاع استفانُس أول الشهداء: رسل7، ودفاع بولس في معبد أريوباغس الوثني: رسل 17).
أصبح الدفاع عن المسيحيّة ينتهج "نوعاً أدبيّاً خاصاً" (1) في القرن الثاني، ما شجّع الباحثين على تسمية آبائه بـ"الآباء المدافعين" Apologistes. ولقد استعان هؤلاء بالفلسفة والعلوم الإنسانيّة المعاصرة لهم بالإضافة إلى الكتاب المقدّس في "دفاعاتهم". واستعملوا عموماً أسلوب "الحوار" أو "الجدال"، لذلك سمّوا أحياناً بـ"الجدليّين".
ونستطيع أن نميّز أربعة أنواع من "الحوار" في مصنفاتهم: الدفاعي واللاهوتي والفلسفي والسيَري.
إن نصف الكتابات الدفاعيّة التي لنا علم بوجودها مفقودة أو لم يصل إلينا إلا من خلال بعض الاستشهادات ورد أكثرها في "التاريخ الكنسي" لأوسابيوس (2) . ولدينا مخطوطة أساسيّة تحمل اسم "المخطوطة الباريسيّة 450 gr"، تعود إلى سنة 914، تجمع معظم هذه الكتابات.
سندرس في هذه المقدمة، إضافة لخصائص هذه الحقبة، أهم التيّارات الفكريّة والهرطقات التي كانت السبب في نشوء هذا النوع من "اللاهوت الدفاعي". ثم نكتفي بدراسة من بين هؤلاء الآباء المدافعين، الواردة أسماءهم في المدخل العام، ثلاثة هم: القديس يوستينينوس الفيلسوف (Justin)، والقديس إيريناوس أسقف ليون (Irénée)، وندرس أيضاً ترتليانوس القرطاجي، وهو الأنموذج الأول للكتابة باللاتينيّة خلافاً لمن سبق إذ كتبوا باليونانيّة.